ليلة القدر
ما هي ليلة القدر 2023
ليس لها يوم محدد فهي غير ثابتة بل تتبدل ، لكن أغلب الأقوال أكدت أنها تكون في الأيام الوترية من شهر رمضان أي ليلة الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين وهو الغالب أو التاسع والعشرين أيضا ،وسيأتي تفصيل ذلك فيما يأتي
سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم
كلمة ليلة القدر مقسمة إلى شطرين أو لفظتين اثنتين:
أولا كلمة ليلة: وهي كلمة تطلقها العرب في اللغة على الوقت ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر فالمعنى اللغوي والمعنى الشرعي أو الاصطلاحي لهذه اللفظة سواء
أما كلمة القدر فلها ثلاث معاني ذكرها أهل العلم في كتب التفسير وفي كتب الحديث عند التطرق إلى ليلة القدر واختلفوا في اي واحد منها تضاف اليه الليلة فقيل هذه المعاني كلها التي سيتم ذكرها تحتملها هذه الكلمة " ليلة القدر "
1- الاول إما أن معناها المنزلة والشرف فنقول ليلة القدر أي ليلة الشرف فهي ماخوذة من التقدير وهو الوقار والعظمة وعلو المكانة فالقدر بمعنى الشرف فيقال فلان ذو قدر عظيم اي ذو شرف عظيم كما ان الطاعات فيها تعطى ثوابا جزيلا ويكون لها شان عظيم
وقد ذكر هذا المعنى في القران الكريم فقال الله تعالى في سورة الزمر (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) فقال المفسرون في معنى" وما قدروا الله حق قدره " يقصد بها ما عظموا الله حق تعظيمه وما وصفوه حق وصفه فالقدر بمعنى التعظيم والشرف
فهي ليلة لها مكانة عظيمة عند الله تبارك وتعالى وعند المخلوقات الذين يعبدون الله سبحانه وتعالى فيها وهذا الشرف جاء لاسباب ذكرت من اهل العلم فيقولون في ذلك :
لان الله عز وجل اختارها زمانا لنزول القران الكريم فقال ( انا انزلناه في ليلة القدر ) فلما نزل القران فيها صارت هذه الليلة ذات مكانة عند المؤمنين أو لأن عظمتها هي بالنسبة لنزول الملائكة فيها فقال ( تنزل الملائكة والروح فيها ) أو بالنسبة لنزول أعطياته في تلك الليلة فالعطاءات التي ينزلها الله عو وجل في هذه الليلة على عباده ليست كالعطاءات في كل أيام السنة فصارت عظمتها مستمدة من كثرة المنن والنعم التي يمدها الله عز وجل للمؤمنين فيها كما أن هناك معنا آخر لعظمة هذه الليلة فقد قيل أن الذي يحييها يصير ذا قدر عند الله عز وجل وهذا أجمل المعاني التي ذكرها أهل العلم فتتحول حياته من شقاء إلى سعادة في الدنيا والاخرة ، أو أن الطاعات فيها ليست كالطاعات في غيرها حيث أن لها قدرا عظيما
فهذه خمس معاني جاءت لتبين معنى العظمة في ليلة القدر
2- الثاني أن القدر في ليلة القدر بمعنى الفصل والقضاء و التقدير فنقول القضاء والقدر أي أن الله عز وجل يقدر فيها تقديرا حوليا مما يشاء من مقادير السنة من أقوات و أرزاق وآجال وأعمار وأعمال في السنة التي هي فيها إلى ليلة القدر التالية حتى قال ابن عباس في معنى الحديث " أن الرجل ليمشي في الأسواق ويبيع ويشتري وهو عند الله من أصحاب القبور" وهو معنى مخيف
والعلماء قالوا في تفسير قول الله تعالى في سورة الدخان (انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم امرا من عندنا انا كنا مرسلين ) فقالو بان معنى كلمة يفرق يعني يفصل ويقدر في تلك الليلة كل امر والراجح عند اهل العلم ان الليلة المقصودة في سورة الدخان هي ليلة القدر وليست ليلة النصف من شعبان كما ذهب اليها بعض المفسرين فسميت ليلة القدر لمالايقدر فيها
3- اما المعنى الثالث فهي جاءت على احتمال القدر بمعنى الضيق من التضييق والقران جاء بهذا المصطلح قال تعالى ( ومن قدر عليه رزقه فل ينفق مما اتاه الله ) فقدر عليه اي ضيق عليه فهي من الضيق وعلاقتها بليلة القدر اي ليلة الضيق لمعنيين الاول ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لان الارض تعج بالملائكة فتضيق بها من كثرة الملائكة الذين ينزلون في تلك الليلة ( تنزل الملائكة والروح فيها ) وهذه الصيغة في اللغة تشير اللى تتابعات ودفعات حتى تمتلئ الارض بالملائكة الذين يشهدون دعاء الداعين ويؤمنون على دعاء المصلين فتضيق الارض بعددهم حتى مطلع الفجر كما ذكر ربنا تبارك وتعالى
اما المعنى الثاني الذي تحتمله ليلة القدر فتكون ليلة الضيق قيل لان الله ضيقها فاخفى علمها عنا فلا احد يعرفها والعلم بها ليس واسعا يعرفه كل احد بل لا يطلع عليه الا الله فضاقت افهامنا وضاقت علومنا ان نعين هذه الليلة على وجه مخصوص والله تبارك وتعالى اخفى رضاه في طاعاته حتى يتحرى العباد الايام كلها فيقومونها ويدعون الله عز وجل فيها عسى ان توافق دعوتهم قضاء الله الازلي فيستجاب لهم
والمختار أن هذه الاسباب كلها وهذه المعاني الثلاثة موجبة لسبب تسميتها بليلة القدر
مكانة ليلة القدر وفضائلها
لقد خلق الله سبحانه وتعالى سبع سماوات ولكنه جعل اعظمها السماء السابعة حتى ان عرشه فوقها سبحانه وخلق اراضي وبقاعا كثيرة لكنه اختار ان يكون افضل مكان منها هو مكة المكرمة حيث بنيت الكعبة وخلق الله الملائكة فهم كثر لا يعلم عددهم الا الله ولكنه جعل جبريل سيدا لهم وسماه روح القدس كما خلق البشر واصطفى منهم احبهم اليه واكرمهم عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخلق الله ايام السنة وجعل افضل يوم هو يوم عرفة لكنه لما خلق الليالي جعل ليلة هي افضل واعز ليلة هي ليلة القدر ليلة خير من الف شهر حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (ان هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من الف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها الا محروم )
لذلك فان لليلة القدر مكانة عظيمة عند المسلمين حيث يحرص المسلمون على تحري هذه الليلة المباركة في العشر الاواخر من رمضان ويجتهدون فيها اكثر من اجتهادهم في الايام الاخرى نظرا لمكانتها وفضلها الكبير بغية نيل الاجر والثواب وطمعا في المغفرة من الله تعالى
وتظهر فضائل ليلة القدر في نقاط خمس وهي
- نزول القرآن فيها
- ليلة القدر خير من ألف شهر
- نزول الملاسكة وجبريل إلى الأرض
- من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
- ترفع فيها الأعمال وتقسم فيها الأرزاق
وقد ورد فضلها في السنة النبوية الشريفة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر
- أنها وسيلة لغفران الذنوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم يتحراها"من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "رواه البخاري ومسلم
- أن فواتها هو الحرمان الكبير فعن أنس بن مالك قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الشهر قد حضركم ،وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم"رواه ابن ماجه
خصائص ليلة القدر
هي ليلة مباركة ويظهر فضلها في أنها قد خصت بخصائص ومميزات كثيرة منها ما هو مذكور في القرآن الكريم ومنها ما ذكرته السنة النبوية في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
أولا أنها أفضل الليالي عند الله عز وجل وهي أول خاصة من خصائصها
ثانيا أن العمل فيها وليس الصلاة فقط ،بل العمل مطلقا من صلاة أو تسبيح ،أو دعاء ،أو تفكر وتأمل ،خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر
ثالثا أنها الليلة التي فيها يفرق كل أمر حكيم ،أمرا من عندنا، فالله عزوجل يقدر فيها أحداث السنة وأقدار السنة من حياة وموت ورزق وما شابه ذلك
رابعا أن هذه الليلة تنزل الملائكة فيها من كل سماء والسماوات هي سبع سماوات ، بالإضافة إلى نزول الملائكة من سدرة المنتهى يؤمنون على دعاء الداعين وعلى دعاء المستغفرين حتى مطلع الفجر
والخاصية الخامسة أن الله عز وجل وصفها بأنها سلام هي حتى مطلع الفجر، ومن جميل ما فسرت به هذه الكلمة"سلام هي حتى مطلع الفجر "وهو فضل عظيم وجليل من الله عز وجل ، يقول الضحاك إن الله تبارك وتعالى لا يقدر في هذه الليلة إلا السلامة أما في باقي ليالي العام فالله عز وجل يقدر السلامة ، ويقدر البلايا والمحن ،فالله تبارك وتعالى هو المقدر لكل شيء،فقد يقدر بخير وقد يقدر بشر ،وهو خالق لكل شيء، فيقول الضحاك أن في هذه الليلة لا يقدر الله إلا سلامة لعباده ، وخيرا لهم
واختصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها ،بأن الله عز وجل يسؤل فيها العفو والعافية بالدعاء المشهور "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا "
هذه أهم الخصائص التي تميز ليلة القدر عن باقي الليالي
السؤال الثاني الذي يطرح، هو هل ليلة القدر كانت موجودة في الأمم السابقة أم أنها من خصائص الأمة المحمدية ؟
عندما يكلم العلماء عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ،فإنهم يقسمونها إلى أربعة خصائص وهي
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، وخصائصه في الآخرة ، وخصائص الأمة الإسلامية في الدنيا ، وخصائصها في الآخرة
وجمهور الفقهاء من المسلمين أجمعوا على أن ليلة القدر هي من خصائص هذه الأمة الإسلامية ،أما الأمم السابقة فلم يكن فيهم ليلة القدر كما هناك رأي قليل يقول بانها موجودة مادام هناك أنبياء فكل عصر فيه نبي تكون فيه ليلة القدر لكن جمهور العلماء اجمعوا على أنها فضيلة وكرامة أكرم الله بها الأمة المحمدية كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك عدة أدلة مرجحة ذكرها العلماء منها
دليل ذكره الإمام مالك في موطأه فقال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اري أعمار الناس قبله ،فوجدهم يعمرون طويلا و ما شاء الله من ذلك ، وأري أعمار أمته فكأنه تقاصر أعمارهم أن يبلغوا من العمل ما بلغ الأمم السابقة في طول أعمارهم فمثلا الرجل فيهم كان يعيش ثلاثمئة سنة أو أربعمئة سنة وبالتالي سيكون عنده ذخيرة واسعة في العمل أما الأمة المحمدية هي أمة تعيش أعمارا قصيرة وبالتالي الأعمال سوف تكون قليلة ،فأراد ربنا تبارك وتعالى أن يكرم الأمة المحمدية أن نلحق بهم في ركب الأعمار ،قال فيعوض قصر الأعمار بليلة القدر فأعطى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر حتى يلتحقوا بركب العاملين من الأمم السابقة وهو الذي يرجح بأنها من خصائص الأمة المحمدية كونها أقصر الأمم أعمارا فيلحقون بمن تقدموا في طول العمر .
أمر آخر وهو المغزى في الأحاديث الصحيحة المشهورةالتي رواها أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ، "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ،" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ، و "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "
فالمعنى الحقيقي لها انه من اراد ان يغفر له في يوم رمضان او في ليلة القدر لا بد ان يقوم هذه الليلة ايمانا واحتسابا ومعنى إيمانا يعني تصديقا بانها حق وان العبادة فيها مشروعة واما الثانية احتسابا فلها تفسيران اولهما ان تقوم ليلة القدرمخلصا لوجه الله عز وجل وليس طاعة للمجتمع والثاني وهو الأجمل أن يقومها طيبة بها نفسه لا يضجرفيها ، لا في صيام ولا في قيام ولا في صدقة ولا في طاعة
فاشترط الله عز وجل في غفران الذنوب الاحتساب ،وهو عدم الضجر كما رجحه العلماء
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم " وفي رواية للإمام أحمد " ما تقدم من ذنبه وما تأخر " فقال العلماء ما تقدم بمعنى الذنوب الماضية ، والسابقة التي اقترفناها أما القادمة يعني المغفرة المستقبلية هي حفظ العبد من الكبائر، أو أن الله عز وجل إذا وقع من العبد ذنب فهو يقع مغفورا لوعد الله تبارك وتعالى
فليس هناك طمع أكبرمن أن يغفر للإنسان ما تقدم وما تأخر من ذنوبه بليلة واحدة فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا فيها من القائمين، المحتسبين ،الصادقين .
علامات ليلة القدر
أجمع أهل العلم أن لليلة القدر علامات منها ما هي كونية فلكية أو مناخية و منها ما هي نفسية يشعر بها الانسان في داخله وقد استنتجوها من شرحهم لاحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكر فيه هذه العلامات بالتفصيل وهي كالآتي:
من هذه العلامات ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (انها ليلة صافية بلجة كان القمر فيها ساطع ) اي مشرقة فهي تتميز بصفاء السماء وسطوع نورها في تلك الليلة فهي ليلة منيرة قوية الاضاءة
العلامة الثانية يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم (انها ليلة ساكنة ساجية ) اي هادئة ليست فيها ريح فلا تهب فيها العواصف
(وانها ليلة لا حر فيها ولا قر ) اي جيدة معتدلة الاجواء بين الحرارة والبرودة
العلامة الرابعة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يحل لكوكب ان يرمى به فيها ) قال لعدم الحاجة الى ذلك فلا يوجد شهاب يطلق على شيطان لكثرة الملائكة النازلين فيها فالشياطين تتقلص شيئا فشيئا فيختفي اثرها
العلامة الخامسة الصحيحة يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيها ( تكون الشمس مستديرة ليس لها شعاع كانها القمر ليلة البدر ) فالشمس تطلع في صبيحتها بيضاء صافية ويكون شروقها بلا شعاع ينظر اليها الانسان باستئناس فالانس في عينه والانس في قلبه لا يتاذى بالنظر اليها
كما ذكر في صحيح مسلم علامة عن القمر فقال ( يكون مثل شطر جفنة ) اي قصعة كنصفه تماما
فهذه هي العلامات الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن هناك من العلامات المنتشرة بين الناس وليس لها أساس من الصحة
مثل أن يقولوا أن ليلة القدر هي ليلة لا تنبح فيها الكلاب فهذه لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
كما تكون معرفتها عند بعض الناس برؤيا منامية كما حصل عند بعض الصحابة الكرام أو بعلامات نفسية مثل :
انشراح صدر المؤمن والشعور بلذة العبادة اكثر مما يجده في باقي الليالي
طمانينة قلب المؤمن وجده واجتهاده في القيام والصلاة بنشاط أكثر من الليالي السابقة
كما اجمع العلاماء على انه يستحب بالاتفاق لمن راها ان يكتمها بين الناس ولا يتكلم فيها وذلك لاربعة اشياء ذكرها ابن حجر
- اولا من جهة النفس فلا تتعالى النفس وترتفع فخرا فالتواضع اولى
- الثاني من جهة الرياء فالانسان قد يرائي بالحديث عنها
- ثالثا قال حتى لا يشتغل بالحديث عنها عن الشكر لله عز وجل الذي اطلعه عليها
- رابعا حتى لا يصيبه الحسد من الناس ويستانس بذلك بقوله عزوجل حكاية عن يعقوب لابنه يوسف ( يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين )
وهو خلاف ما يحدث اليوم فالأهم والمستحب ان نشغل أنفسنا في العشر الاخير بقول النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عنا "
ليلة القدر هي ليلة الشرف العظيم والتجليات من الله سبحانه وتعالى
والملاحظ ان لليلة القدر علامات تظهر في نفس الليلة تكون حالية مقارنة لها واخرى تعقب الليلة فتكون بعدها والفائدة من ذلك ان يزداد المؤمنون الموفقون الى قيامها سرورا وطمانينة وان يزداد المقصرون تحسيرا انهم فرطوا فيها ، فهذه الليلة تتبدل لكن علاماتها ثابتة لا تتبدل .
دعاء ليلة القدر
ذكرنا فيما سبق أهمية ليلة القدر وفضائلها وعلاماتها وسوف نتطرق الآن إلى التحدث عن الشيءالأهم وهي الغاية التي من أجلها تكلمنا عن ليلة القدر وهي أن ينال الإنسان عفو الله تبارك وتعالى في هذه الليلة فما الحديث السابق عنها إلا لنتحراها ونجتهد في الدعاء فيها عسى الله عزوجل أن يجعلنا من عباده المخلصين فيها
وقد ذكر أهل العلم ما هو الذي ينبغي أن يفعل في ليلة القدر وما هي الأدعية التي ينبغي أن يدعى بها في هذه الليلة المباركة
يذكرالإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى بأن الدعاء في هذه الليلة أفضل من الصلاة ،وهذا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي تعالى الله عنها ، فيرى أن الدعاء فيها أفضل من الصلاة فإن صلى الإنسان فيها وقرأ ثم بعد ذلك دعا كان حسنا كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبالأخص في مثل هذه الليالي العشر ، فكان صلى الله عليه وسلم يصلي ويقرأ القرآن ويخلل قراءة القرآن بالدعاء فلا يمر بآية فيها رحمة إلا سال الله عزوجل الرحمة متفاعلا مع الآية، ولا يمر بآية فيها عذاب إلا تعوذ بالله من هذا العذاب، وهكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم عموما وفي التعامل مع هذه الليالي العشر على وجه مخصوص
وذهب الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى ، أن الإنسان يجمع في هذه الليلة بين أربعة أشياء
بين القراءة والصلاة والدعاء والتأمل وكان هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في العشر الأخير من رمضان وهذا الأفضل وإن كان فعل الخير مطلقا، محمودا في هذه الأيام المباركة ولكننا نتكلم عن الأفضل ففعل الخير مبارك وليالي العشر الأخير يحييها المؤمنون في فعل الخير مطلقا ، لكن يرى العلماء أن هناك ما هو أفضل في قضية الدعاء
والنبي صلى الله عليه الصلاة والسلام وجه السيدة عائشة عندما سألته حريصة ،تريد أن تبحث عن الخير ، قال لها قولي " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا "
والعلماء يقولون كما ذكر ابن عطاء الله السكندري" خير ما تطلبه منه ، ما هو طالبه منك" ، فأفضل ما يسؤل ربنا تبارك وتعالى هو القضايا الأخروية ،أو أن يوفق الإنسان لتحقيق العبادة مع الإخلاص ،فما هو الشيء الذي طلبه الله مني ،أسأله أن يوفقني إليه
فلم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أن تسأل شيئا من الدنيا ،مع أنه أمر مباح مشروع، بل وجهها إلى قضية واحدة وهي أن تسأل الله عز وجل العفو ، وفي ذلك أن يضرب الإنسان صفحا عن الدنيا ...قولي "اللهم إنك عفو" وعفو يعني كثير العفو ،"تحب العفو" يعني تحب إظهار العفو بين عبادك "فاعفو عنا"
فالله عز وجل كثير العفو ،والله عز وجل يحب أن تظهر صفة العفو ،ثم قالت بعد ذلك" فاعفو عنا "
وقد ذكر أهل العلم أمرين في هذا الدعاءالذي نحفظه ،والذي هو سنة هذه الليلة على وجه مخصوص
أولا أن الإنسان لم يسأل الله تبارك وتعالى خيرا فوق العفو،لم يسأل الله عز وجل الدعاء في الجنة ،ولم يسأل الله عز وجل الفردوس الأعلى ،بل سأل الله عز وجل العفو ، وفي ذلك استصغار للنفس ،أن النفس ما عندها شيء إلا أن يتجاوز الله عنها ،بمعنى " يا رب نحن لا نجرؤ على أن نسألك مع أنك واسع الجود ،أفضل من أن تعفو عنا "
أما النفس التي ترى نفسها عاملة ،وترى نفسها أنها قامت وصامت،ترى أن سؤال العفو هو شيء بسيط و لا بد أن يسأل أعلى
و النبي عليه الصلاة والسلام يوجه النفوس أن تكون متواضعة ،فتسأل الله تبارك وتعالى العفو والصفح فقط ،ولا تسأل الله عز وجل شيئا فوق ذلك فهو من التجرؤ، وإن كان الله عز وجل واسع المغفرة
فهذا الدعاء الذي يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها فيه تهذيب للنفوس ، وما يؤيد هذا المعنى هو ما فرقه أهل العلم بين العفو وبين الغفران
فيرى بعض أهل العلم ، أن الغفران أعظم وأبلغ من العفو، والبعض يرى العكس ،فيذكر بعض الأئمة و منهم الإمام الكفوي رحمه الله تعالى والشيخ ابو هلال العسكري في كتابه الفروق اللغوية، فرقا جميلا اتفق عليه الاثنان بين العفو ووبين الغفران،
فقال الغفران يقتضي أمرين أما العفو فيقتضي أمرا واحدا، وشرح أن الغفران يقتضي إسقاط العقوبة ،وإثبات المثوبة ،فعندما نقول لله تبارك وتعالى "اللهم اغفر لنا " يعني أسقط عنا عقوبتك ونستحق بعد ذلك أن نأخذ ثوابا وهو ليس استحقاقا لازما على الله عز وجل ولكن مصطلح الغفران يقتضي هذين الأمرين وهو أن يسقط الله عز وجل العقوبة وأن يعطي الله عزوجل المثوبة فهما أمران.
وكوننا مطالبون في ليلة القدر بالتواضع في الطلب ،ونسأل الله عز وجل فقط العفو ،فقال هنا يكمن الفرق الثاني، فالعفو يقتضي شيئا واحدا وليس شيئين ، فقال العفو يقتضي إسقاط الملامة ،وليس فيه إثبات مثوبة ،لذلك يقولون أن الغفران هو من خصائص الله تبارك وتعالى .
إذا أردت أن تطلب من إنسان أن يعفو عنك لا تقل له "إغفر لي" فالمغفرة تسؤل من الله عز وجل فقط ،أما العفو فيسؤله الله تبارك وتعالى ويسؤله العبد فتقول" اللهم أعفو عني" وتقول لفلان "اعفو عنه أو عني"
فالمغفرة فيها تجرؤ فالإنسان يطلب فيها أمرا عاليا فيقول أسقط العقوبة وأعطني المثوبة أما العفو فأسقط عني الملامة ولا أريد المثوبة
وهذا المعنى يوجهه النبي صلى الله عليه وسلم ،ولو لو يصرح به للسيدة عائشة رضي الله عنها أن تقول رضي الله تعالى عنها " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا"فنسأل الله عز وجل أن يعفو عنا جميعا
الدعاء مخ العبادة ،بل هو العبادة ذاتها ،فإذا قال الإنسان آمين فكأنه هو الذي دعا ،سيدنا موسى دعى الله عز وجل مع سيدنا هارون فقال الله عز وجل "قد أجيبت دعوتكما "دعا واحد فقط لكن الذي يؤمن والذي يستحضر عظمة الله عز وجل ،والذي يتصور أنه بين يدي الله يدعوه، هو داع أيضا .
وهذه الليلة هي أشرف ليلة في السماء وهي خير من ألف شهر ، فإن صحت فيها الصلة ،وصح فيها الإقبال،وصح فيها الدعاء،ذلك خير من أن تعبد الله ثمانين عاما عبادة جوفاء ، فأكثروا من الدعاء فيها ،توجهوا الى الله سبحانه وتعالى واستحضروا عظمته واطلبوا منه العفو والعافية في الدنيا والآخرة ،ثم أمنوا في قلوبكم على الدعاء
ولا ننسى أن نكثر من فعل الخير ما استطعنا بالخصوص في العشر الأخير كالحرص على صلاة الجماعة وقيام الليل والتهجد وتلاوة القرآن والتصدق وذكر الله في كل حين والاعتكاف أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم
فل نتأسى به ونجعله قدوة لنا في الإستعداد لليلة القدر كا روي عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر"رواه مسلم
فاللهم افتح علينا فتوح العارفين ، ووفقنا توفيق الصالحين ، الصادقين، وعد علينا بعوائدك الحسنى يا أكرم الأكرمين وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين والله أعلى وأعلم
مقالات قد تعجبك: تدابير شهر رمضان 2022